من إشكاليات اللغة العربية على الشبكات الرقمية

في زخم الإقبال العالمي المتزايد على تكنولوجيا المعلومات والاتصال، تنامت قدرات العالم العربي في هذا المجال مقارنة بالعشريات السابقة (من سبعينات القرن الماضي إلى بداية الألفية الثالثة) التي كانت التجربة العربية خلالها شبه منعدمة. أما اليوم فتشير العديد من الإحصائيات في هذا الخصوص إلى تغير في القدرات العربية على التواجد على الشبكات (من حيث عدد المستخدمين على الأقل) كنتيجة طبيعية لتنامي مجالي التقنيات الحديثة للمعلومات وشبكات الاتصالات الرقمية وانتشار الهواتف الخلوية في كافة أنحاء العالم بما في ذلك الفضاء العربي الذي يسعى إلى توظيف هذا الاختراع الهام من أجل إرساء ثقافة رقمية عربية أوسع.

من بين الإحصائيات الدالة على هذا التحول في القدرات الرقمية العربية هي آخر التصنيفات المعتمدة من قبل منظمة إحصائيات الانترنت العالمية (Internet World Stat) لسنة 2013 التي تشير إلى تبوأ اللغة العربية المرتبة الرابعة من حيث عدد المستخدمين للشبكة العنكبوتية بما يفوق 135 مليون مستخدما بعد الإنجليزية (حوالي 800 مليون مستخدما) ثم الصينية (حوالي 650 مليون مستخدما) ثم الإسبانية (أكثر من 222 مليون مستخدما) ولكن قبل البرتغالية (ما يقرب من 122 مليون مستخدما).

languages2013

لئن بدت هذه الأرقام عادية بالنسبة إلى المراتب الثلاث الأولى نظرا للانتشار الواسع للإنجليزية والعدد الهائل للسكان الناطقين بالصينية وكذلك الامتداد القاري للغة الاسبانية خاصة بدول أمريكا اللاتينية، فإن تصنيف اللغة العربية في المرتبة الرابعة جاء مفاجئا للعديد من المتابعين لهذا التصنيف. فبمجرد المقارنة بين أرقام 2000 و2013، يتبين أن معدل نمو مستعملي اللغة العربية على الشبكة خلال الفترة المذكورة كان قياسيا إلى أبعد الحدود. ففي عام 2000، كان عدد مستخدمي الإنترنت باللغة العربية يكاد يناهز 2.5 مليون فقط بينما في عام 2013 تضاعف هذا العدد ليفوق 135 مليون مستخدما أي بنسبة نموّ تفوق 5.296.6% (أنظر الجدول الموالي). لكن يبقي السؤال هنا عمّا إذا كان هذا المؤشر الكمّي المتميز نسبيا كافيا للإقرار بنجاعة السياسات الرقمية العربية وتوصلها إلى أفضل الحلول العملية لضمان الاستمرارية في هذا النسق التصاعدي من النمو والتطور وبالتالي الدخول إلى نادي اللغات المهيمنة على الأنترنت؟

net-stats

للإجابة على هذا التساؤل لا بد من التعمق في دراسة الخصائص الرقمية للغة العربية ليس فقط من حيث عدد مستخدميها على الشبكة واتساع رقعة انتشارها في الدول العربية وفي مناطق أخرى من العالم بل كذلك من ناحية جدوى الحلول التطبيقية والتنظيمية المتوفرة لخدمتها وكذلك الارضية المؤسساتية الداعمة لها. تلعب كل هذه الاعتبارات دورا محوريا في تحديد مستقبل اللغة العربية الرقمية ومدى اشعاعها إقليميا ودوليا. ويمكننا التعرض هنا إلى بعض الجوانب التقنية التي من شأنها أن تشكل جملة من التحديات لتطور الصناعة الرقمية العربية نذكر من أهمها إشكاليات ضعف المحتوى الرقمي العربي كمّا وكيفا، عدم توحيد المصطلحات والمفاهيم، اشكاليات تقابل اتجاهية الكتابة بين العربية ولغات أخرى من جهة وبين الحروف العربية والأرقام من جهة أخرى (Bidirectionnality)، اشكاليات التجذير (Lemmatization) في عمليات التكشيف، صعوبات التقنين في تعريب أسماء النطاقات (iDNS) ، عوائق التعرف الضوئي على الكتابة اليدوية (OCR) وغيرها من الإشكاليات التي لا تتم معالجتها حسب رأينا من غير تظافر الجهود الإقليمية لإيجاد حلول توافقية تتبِعها كافة الاقطار العربية لدعم التواجد الرقمي العربي على الشبكات .فمن الضروي العمل على مزيد التدقيق في كل هذه الجوانب التقنية وغيرها من أجل التوقف على أوجه الخلل بها والعمل على دعمها من خلال مزيد التركيز على الجوانب التالية:

  • نقائص الترميز الرقمي الثنائي للغة العربية
  • إشكاليات المحتوى الرقمي العربي
  • صعوبات صياغة المصطلحات العربية الموحدة
  • مشاكل ازدواجية الكتابة في الواجهات التطبيقية متعددة اللغات ومخلفات الاتجاه الأحادي للأرقام
  • مناهج التجذير المصطلحي في اللغة العربية وصعوبات التكشيف
  • رهانات تعريب أسماء النطاقات على الشبكة
  • صعوبات التعرف الضوئي على الكتابة العربية اليدوية
  • تشتت التنسيق المؤسساتي بين المنظمات والهيئات العربية المختصة