منذ أن شرعت في تصميم هذه النسخة العربية من موقعي الخاص وسعيا لجعله متماشيا بأكثر قدر ممكن مع الواقع العلمي والأكاديمي في العالم العربي، كان من الضروري أن أطلع على أهم الإنجازات والتطورات التكنولوجية العربية في الميادين العلمية التي أهتم بها. فنظرا لطبيعة الإطار البحثي والأكاديمي الغربي (الفرنسي بالتحديد) الذي أعمل فيه منذ سنوات، قلّت متابعتي لبعض المجالات العلمية العربية التي تابعتها قبل مغادرتي الجامعة التونسية والتحاقي بجامعة بوردو الفرنسية. لذا كان من الضروري أن أقوم بتحديث معلوماتي حول هذه الميادين ومتابعة آخر التطورات فيها رغم أني لم أنقطع تماما عن متابعة الواقع العلمي العربي من خلال دراستي المتواصلة لمسألة التعددية اللغوية العربية اللاتينية في المجال الرقمي التي كانت موضوع رسالة الدكتوراه التي قدمتها سنة 1999. فقد حافظت على هذا الموضوع كمحور لعديد الأبحاث التي نشرتها فيما بعد في هذا الخصوص والتي ألزمتي بالعودة باستمرار إلى تفحص بعض المواقع العربية بحثا عن دراسات وبحوث تطبيقية ونظرية تمكنني من إثراء أبحاثي في هذا المجال. وفي آخر منشوراتي في هذا الخصوص والتي اعتمدت فيها على بعض المواقع العربية، تطرقت إلى مواضيع الرهانات المعيارية للغة والكتابة العربية ومسألة النطاقات العربية على شبكة الإنترنت و كذلك مسألة اللغات المهددة على شبكة الإنترنت.
لكن الظاهرة الجديدة التي جلبت انتباهي خلال زياراتي الأخيرة للمواقع العربية هي التطورات الهامة التي حصلت في مجال تكنولوجيات التعليم الإلكتروني في الجامعات ومراكز التدريب العربية. لقد كتبت سنة 2002 مقالا في المجلة العربية للمعلومات الصادرة عن منظمة الألكسو يتعرض إلى موضوع التعليم عن بعد في المؤسسات التعليمية العربية وقد بينَت المؤشرات آنذاك أن المجال لا يزال في طور الإنشاء وأن المؤسسات التعليمية العربية لا تزال في طور الاكتشاف لهذه التقنيات البيداغوجية الحديثة وأن معوقات عديدة كانت تحول دون انتشاره الواسع من بينها انعدام الثقة لدى إطار التدريس في أنظمة التقييم من خلال الإنترنت والتصدي لاستبدال الأساليب التقليدية للتعليم الحضورية بالعمليات الافتراضية وتشريك أخصائيي العلوماتية ومهندسي شبكات الاتصال الإلكترونية في العمل البيداغوجي. كما كانت أوجه النقد أيضا تُرَكز على التشكيك في كفاءة وفعالية أدوات الإنترنت آنذاك التي غالبا ما وجد أعضاء التدريس أنفسهم مجبرين بسببها على التعامل مع أجزاء كبيرة من عمليات التعليم عبر الإنترنت من دون الدعم المناسب والمساعدة من التقنيين المتخصصين.
لكن منذ ذلك الوقت، يُظهِر الواقع الجديد أن العديد من الجامعات والمعاهد العربية سجلت تطورات هامة في إدماج التقنيات الحديثة في العمل التربوي والدفع تجاه المناهج البيداغوجية المجددة المبنية على ديناميكية المجموعات والعمل التشاركي. فقد صار التعلم الإلكتروني في العالم العربي يتلقى المزيد من الاهتمام أكثر من أي وقت مضى بدعم من عديد الجهات المحلية والإقليمية والدولية. فقد أصدرت جامعة الدول العربية منذ 2003 مشروعا لإعلان المبادئ لإقرار التعلم الإلكتروني كأداة يمكن أن تساعد في القضاء على الأمية ولتحقيق تعميم التعليم الابتدائي والمساعدة على تحسين التدريب للمعلمين وتوفير التعليم مدى الحياة لشحذ المهارات المهنية. إلا أنه لم تكن لهذا الإعلان جدوى كبيرة في تحقيق هذه الأهداف نظرا لتجاهل جامعة الدول العربية لقضية الميزانيات وتكاليف تنفيذ مثل هذه البرامج. لكن رغم ذلك، استطاعت العديد من الدول العربية – بمجهودات وموارد ذاتية أو بدعم دولي من خلال الاتفاقيات والشراكة العلمية – من إدراج تقنيات التعليم الإلكتروني في منظوماتها التربوية. ولعل لدول الخليج كالإمارات العربية والسعودية والكويت الأسبقية في هذا المجال نظرا لإمكانياتها المادية الكبيرة لتعميم هذه النظم التعليمية الحديثة وبناء الفضاءات والمنصات الإلكترونية المتطورة. لكن رغم هذه النقلة النوعية في الإمكانيات، يبقى السؤال عن مدى جدوى الاستخدامات لهذه المنظومات التعليمية الإلكترونية ونسبة القيمة المضافة الناتجة عن استعمالها بالنسبة لجودة التعليم والدفع بالبحث العلمي العربي في هذا القطاع الحساس. يمكنني القول، انطلاقا من تجربتي في هذا المجال على نطاق محلي بالجامعات الفرنسية ودولي من خلال مساهمتي في أعمال هيئات دولية مختصة بهذا القطاع، أن غالبية هذه التجارب لم تصل بعد إلى مستويات متقدمة من النجاعة لافتقارها إلى بعدين إضافيين أساسيين هما تأمين الجودة وضمان التطابقية مع المرجعيات المعيارية العالمية …
(يتبع)