مجالات التخصص

المعايير التكنولوجية والتشغيل البيني لنظم المعلومات والاتصالات الرقمية

واحدة من التحديات الكبرى للعمل المعياري الدولي اليوم هو بالتأكيد التوصل إلى مواءمة النماذج التشغيلية لشبكات المعلومات والاتصالات الرقمية فيما بينها. ثلاثة جوانب أساسية من التشغيل البيني يتم التركيز عليها اليوم: الجوانب التنظيمية والتكنولوجية والدلالية. أما الاتجاه الأهم الذي أركز عليه غالب أعمالي البحثية هو الاهتمام بالمعايير البينية الدلالية للمحتويات. فالتركيبات المعيارية للميتاداتا والأشكال والنماذج التطبيقية لها مثل دوبلن كور Dublin Core (المعيار ISO 15836) و لوم LOM (مواصفة IEEE 1484.12.1-2002) و آم آل أو MLO (بيانات فرص التعلم Metadta for Learning Opportunities) هي مبادرات عالمية تعود بالفائدة على المحيط الشبكي للإنترنت برمته وعلى مجال التعليم الإلكتروني بالخصوص. ومع ذلك، فإن متطلبات إدراج هذه المواصفات والمعايير الدولية في الفضاءات المحلية والإقليمية ما زالت تتطلب استخدام التشكيلات الخاصة لتكيفها مع الخصائص المحلية، الأمر الذي حدد من درجة قابلية تشغيلها فيما بينها بطريقة بينية. في هذا المجال، يتوجه عملنا الآن إلى البحث عن صياغة تشكيلات عربية لهذه المواصفات بالاشتراك مع الجهات المعنية بهذه المسائل التقنية كمنظمة الألكسو وبعض مراكز البحوث والدراسات المهتمة بالتعددية اللغوية للإنترنت والنظم الآلية للمعلومات والاتصال.

 المعالجة الآلية للغات وتمثيليتها الشكلية والنحوية والدلالية في العالم الرقمي

يغطي هذا الموضوع الجوانب المختلفة لمعالجة اللغات آليا من ترميز وتشفير قياسي للمحتوى إلى الواجهات التطبيقية بين الإنسان والآلة مرورا بقضايا تصميم المحتويات متعددة اللغات وتمثيلها ووصفها ببيانات الميتاداتا متعددة اللغات. وقد أخذت مواضيع ترميز المحارف والنماذج والأشكال المعيارية للميتاداتا جابنا كبيرا من منشوراتنا. كما تم التعرض إلى معالجة مسائل بحثية محددة مثل الخوارزميات الثنائية الاتجاه على مستوى الواجهات التطبيقية بين الإنسان والآلة من أجل التواصل المتعدد اللغات وتعريب وتدويل التطبيقات التكنولوجية تقنيات العنونة الرقمية على الأنترنت. هذه القضايا المتعلقة بتعدد اللغات الرقمية عادت إلى الظهور في وقت لاحق في بحوثنا الجارية حول القضايا ذات المحتوى الدلالي وشبكات المصطلحات متعددة اللغات وقابلية التشغيل البيني من خلال المعايير التكنولوجية الحديثة.

العلوم الإنسانية الرقمية

تضع العولمة الرقمية جميع الفاعلين الأكاديميين أمام ضرورة التعامل بطرق جديدة لتبادل المعلومات وتطوير الإجراءات العملية والمناهج العلمية في عديد المجالات كالعلوم الصحيحة والعلوم التجريبية والعلوم الإنسانية والثقافة التي تساهم كلها في تحديد هوية الأفراد والمجموعات البشرية حول العالم. لقد أصبح اليوم الاهتمام الدولي بمجال الإنسانيات الرقمية أمرا أكيدا كما يمكن تحديد ملامح هذا المجال من خلال نظرية منظمة التحالف من أجل الإنسانيات الرقمية ADHO ومركز المكتبية الرقمية على الخط OCLC الذين يعتبران من أول المنظمات الراعية لهذا المجال العلمي. لكن من الواضح أن هذا الاهتمام بالتراث الرقمي تم الاعتناء به أولا في الفضاء الأنجلوسكسوني الأمريكي الشمالي، الأمر الذي أعطاه أسبقية في هذا المجال على بقية المجتمعات اللغوية والثقافية في العالم.

إن الغاية من الاعتناء بالعلوم الإنسانية الرقمية كمجال بحثي نظري وتطبيقي هي السعي إلى فهم أفضل لهذا المجال في سياقات لغوية وحضارية أكثر تعقيدا من السياق الأمريكي الأنجلوسكسوني أين ظهرت وتطورت العلوم الإنسانية الرقمية الحديثة. ويتسنى ذلك من خلال الإجراءات العملية الرامية إلى تذليل الصعوبات في امتلاك الخبرة اللازمة في هذا المجال الرقمي إذ هناك دراسات منهجية عديدة وغير حديثة العهد لامتلاك وسائل الإعلام الرقمية، لكن السياق الرقمي والشبكي الجديد الذي يتسم بالتناظر المعياري والترابط الشبكي بين الوسائط المتعددة يتطلب المزيد من الدراسات لفهم هذه الظواهر الرقمية الحديثة. لذا نقوم بالتركيز في هذا المحور على أمرين أساسيين أولهما امتلاك المهارات الرقمية الضرورية ثم دراسة السلوكيات المقننة والمرتقبة في التعامل مع الأرصدة الوثائقية الرقمية متعددة اللغات في الآداب والإنسانيات. وهنا نحن متأكدون من ضرورة النظر والاعتناء بالمناقشات القديمة / الحديثة حول اعتماد المناهج التكنولوجية الحديثة في سلوكيات البحث في العلوم الإنسانية والصحيحة على حد السواء نظرا لكونها جميعا معنية بمبدئ تعددية التخصصات. وقد اكتسبنا بعد في هذا السياق بعض الخبرة من خلال برنامج بحثي تطبيقي ضم العديد من الخبرات الدولية حول مشروع “الإنسانيات الرقمية بالمغرب العربي” يهدف إلى صياغة نماذج متعددة اللغات لبناء أرصدة وثائقية رقمية في الآداب والإنسانيات بالغات العربية والبربرية والفرنسية.

المصطلحات والشبكات الدلالية

يعتبر هذا المحور تطورا طبيعيا لاهتمامنا بتركيبات الميتاداتا باعتبارها عنصرا أساسيا في بناء نظم المعلومات الرقمية وإدارتها. فالبيانات الوصفية تتطلب معالجة دلالية أكثر دقة لترجمة معاني المحتويات المعرفية دون غموض أو التباس. لذا، فإن أدوات المعالجة الدلالية مثل المصطلحات المعيارية والأنطولوجيات Ontologies المختصة هي الآن من الوسائل المألوف جدا في التخصصات الرائدة مثل الطب والزراعة والهندسة. ويعتبر أنشاء المصطلحات المختصة تعزيزا للعمل المشترك في عملية تجميع الموارد وتبادلها. والنتيجة الطبيعية لهذا العمل هو بلا شك الدعم الكبير لبناء مخازن المحتويات والأرصدة الرقمية. وبالتالي فإن توحيد المصطلحات هو حجر الزاوية في ما يتم تطويره من محتويات وخدمات دلالية على الشبكات. ويتم اهتمامنا بهذا المحور الاصطلاحي من خلال مرجعيات اللجنة الفنية 37 التابعة لمنظمة الأيزو الدولية وخاصة المعيارين TMF ​​(إطار توصيف المصطلحات) و ISO 11179 لإنشاء سجلات مصطلحات موحدة.

المعايير التكنولوجية للتعلم الإلكتروني

في مجال التعليم، واعتمادا على مواصفات عديدة مثل AICC وIMS وSCORM، أضحت حزمات المحتوى الرقمية قابلة للتبادل إلى حد كبير بين المنصات التعليمية أين يمكن إعادة استخدامها بسهولة في ظل سيناريوهات البناء والتفكيك الملائمة لمسارات التكوين للأفراد و المجموعات. يحظى مجال التعلم الإلكتروني بتغطية واسعة ومتنوعة في بحوثنا ومنشوراتنا نظرا إلى المشاركة الميدانية المكثفة في عديد البرامج التكوينية والتعليمية في هذا المجال. وقد ركزت أكثر الاهتمام على عديد المحاور كمنصات التعليم عن بعد واستراتيجيات نشر أنظمة التعليم الإلكتروني في الأوساط الأكاديمية وكذلك بناء وتبادل حزمات المحتوى البيداغوجي البينية. من ناحية أخرى، تمثل رئاستنا لوفد وكالة الجامعات الفرانكوفونية لدى اللجنة الفرعية 36 التابعة لمنظمة ISO والمعتنية بمواصفات تقنيات التعليم عن بعد، حافزا إضافيا لدعم مجهودات البحث في مجال التعليم الإلكتروني وتكثيفها مستقبلا.

مقاييس الوسائط المتعددة : من أجل نظم معلومات رقمية بينية

“الرقمية الشاملة” هو مفهوم ولد مع بدايات الكمبيوتر معتمدا في ذلك على مفهوم البيانات المشفرة في الخزن والاسترجاع للمعلومات وخدمات الاتصال. مع تطور التقنيات الرقمية، ظهرت تدريجيا طرق جديدة للإدراك الحسي والتواصل والوساطة عبر الحواسيب نتج عنها توجه تدريجي إلى بناء نظم المعلومات والاتصال اللامركزية كوسيلة ترابطية أكثر شفافية بين جميع الخيارات والحلول التكنولوجية التي أفزرتها الثورة الرقمية. توصف هذه الظاهرة بمبدأ “التقارب Convergence”. يمثل هذا المبدأ أيضا بداية التخلي الكلي على البث التناظري وظهور مفهوم “الرقمية الشاملة” الذي صار حقيقة واقعة في عديد البلدان المتقدمة من خلال البث الإذاعي ووسائل الإعلام المرئية. ومع ذلك، فإن شبكات المعلومات والاتصالات ونظم البحث العلمي ليست بعد في هذه المرحلة من التطور إذ أن مسألة التشغيل البيني للبيانات الوصفية (ميتاداتا) والمعايير المعتمدة على المستوى الدولي من أجل تكشيف الموارد على الإنترنت لا تزال مشكلة قائمة.

نحن مجموعة من المدرسين الباحثين اخترنا، في خضم هذه التطورات، استكشاف المسارات التي يبدو أنها ستجعل من معايير MPEG بديلا جديا لوضع إطار مقنن للتعلم الإلكتروني بشكل عام. وقد ركزنا في أعمالنا على السؤال الأساسي بخصوص إمكانات معايير MPEG لتكون بمثابة الإطار المرجعي لنموذج موحد للبيانات الوصفية التعليمية التي من شأنها أن تتعاون أو تعوض نموذج IMS واسع الانتشار. هذه القضايا نناقشها اليوم أيضا على نطاق أوسع في إطار اللجنة الفرعية 36 التابعة لمنظمة الأيزو.